فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا} اعلم أنه تعالى لما شرح أحوال أهل العقاب في الآية المتقدمة، شرح أحوال أهل الثواب في هذه الآية، فقال: {وَسِيقَ الذين اتقوا رَبَّهُمْ إِلَى الجنة زُمَرًا} فإن قيل السوق في أهل النار للعذاب معقول، لأنهم لما أمروا بالذهاب إلى موضع العذاب والشقاوة لابد وأن يساقوا إليه، وأما أهل الثواب فإذا أمروا بالذهاب إلى موضع الكرامة والراحة والسعادة، فأي حاجة فيه إلى السوق؟
والجواب من وجوه الأول: أن المحبة والصداقة باقية بين المتقين يوم القيامة كما قال تعالى: {الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المتقين} [الزخرف: 67] فإذا قيل لواحد منهم إذهب إلى الجنة فيقول: لا أدخلها حتى يدخلها أحبائي وأصدقائي فيتأخرون لهذا السبب، فحينئذٍ يجتاجون إلى أن يساقوا إلى الجنة والثاني: أن الذين اتقوا ربهم قد عبدوا الله تعالى لا للجنة ولا للنار، فتصير شدة استغراقهم في مشاهدة مواقف الجلال الجمال مانعة لهم عن الرغبة في الجنة، فلا جرم يحتاجون إلى أن يساقوا إلى الجنة والثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أكثر أهل الجنة البله وعليون للأبرار» فلهذا السبب يساقون إلى الجنة والرابع: أن أهل الجنة وأهل النار يساقون إلا أن المراد بسوق أهل النار طردهم إليها بالهوان والعنف كما يفعل بالأسير إذ سيق إلى الحبس والقيد، والمراد بسوق أهل الجنة سوق مراكبهم لأنه لا يذهب بهم إلا راكبين، والمراد بذلك السوق إسراعهم إلى دار الكرامة والرضوان كما يفعل بمن يشرف ويكرم من الوافدين على الملوك، فشتان ما بين السوقين.
ثم قال تعالى: {حتى إِذَا جَاءوهَا وَفُتِحَتْ أبوابها وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا} الآية، واعلم أن جملة هذا الكلام شرط واحد مركب من قيود: القيد الأول: هو مجيئهم إلى الجنة والقيد الثاني: قوله تعالى: {وَفُتِحَتْ أبوابها} فإن قيل قال أهل النار فتحت أبوابها بغير الواو، وقال هاهنا بالواو فما الفرق؟ قلنا الفرق أن أبواب جهنم لا تفتح إلا عند دخول أهلها فيها، فأما أبواب الجنة ففتحها يكون متقدمًا على وصولهم إليها بدليل قوله: {جنات عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأبواب} [ص: 50] فلذلك جيء بالواو كأنه قيل: حتى إذا جاءوها وقد فتحت أبوابها.
القيد الثالث: قوله: {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سلام عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فادخلوها خالدين} فبيّن تعالى أن خزنة الجنة يذكرون لأهل الثواب هذه الكلمات الثلاث فأولها: قولهم {سلام عَلَيْكُمُ} وهذا يدل على أنهم يبشرونهم بالسلامة من كل الآفات وثانيها: قولهم {طِبْتُمْ} والمعنى طبتم من دنس المعاصي وطهرتم من خبث الخطايا وثالها: قولهم {فادخلوها خالدين} والفاء في قوله: {فادخلوها} يدل على كون ذلك الدخول معللًا بالطيب والطهارة، قالت المعتزلة هذا يدل على أن أحدًا لا يدخلها إلا إذا كان طاهرًا عن كل المعاصي، قلنا هذا ضعيف لأنه تعالى يبدل سيئاتهم حسنات، وحينئذٍ يصيرون طيبين طاهرين بفضل الله تعالى، فإن قيل فهذا الذي تقدم ذكره هو الشرط فأين الجواب؟ قلنا فيه وجهان الأول: أن الجواب محذوف والمقصود من الحذف أن يدل على أنه بلغ في الكمال إلى حيث لا يمكن ذكره الثاني: أن الجواب هو قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سلام عَلَيْكُمْ} والواو محذوف، والصحيح هو الأول، ثم أخبر الله تعالى بأن الملائكة إذا خاطبوا المتقين بهذه الكلمات، قال المتقون عند ذلك {الحمد للَّهِ الذي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} في قوله: {أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بالجنة التي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30] {وَأَوْرَثَنَا الأرض} والمراد بالأرض أرض الجنة، وإنما عبر عنه بالإرث لوجوه الأول: أن الجنة كانت في أول الأمر لآدم عليه السلام، لأنه تعالى قال: {وكلا منها رغدًا حيث شئتما} [البقرة: 35] فلما عادت الجنة إلى أولاد آدم كان ذلك سببًا لتسميتها بالإرث الثاني: أن هذا اللفظ مأخوذ من قول القائل: هذا أورث كذا وهذا العمل أورث كذا فلما كانت طاعتهم قد أفادتهم الجنة، لا جرم قالوا {وَأَوْرَثَنَا الأرض} والمعنى أن الله تعالى أورثنا الجنة بأن وفقنا للإتيان بأعمال أورثت الجنة الثالث: أن الوارث يتصرف فيما يرثه كما يشاء من غير منازع ولا مدافع فكذلك المؤمنون المتقون يتصرفون في الجنة كيف شاءوا وأرادوا، والمشابهة علة حسن المجاز فإن قيل ما معنى قوله: {حَيْثُ نَشَاء} وهل يتبوأ أحدهم مكان غيره؟ قلنا يكون لكل أحد جنة لا يحتاج معها إلى جنة غيره، قال حكماء الإسلام: الجنات نوعان، الجنات الجسمانية والجنات الروحانية فالجنات الجسمانية لا تحتمل المشاركة فيها، أما الروحانيات فحصولها لواحد لا يمنع من حصولها للآخرين، ولما بيّن الله تعالى صفة أهل الجنة قال: {فَنِعْمَ أَجْرُ العاملين} قال مقاتل ليس هذا من كلام أهل الجنة، بل من كلام الله تعالى لأنه لما حكى ما جرى بين الملائكة وبين المتقين من صفة ثواب أهل الجنة قال بعده {فَنِعْمَ أَجْرُ العاملين} ولما قال تعالى: {وَتَرَى الملائكة حَافّينَ مِنْ حَوْلِ العرش} ذكر عقيبه ثواب الملائكة فقال كما أن دار ثواب المتقين المؤمنين هي الجنة، فكذلك دار ثواب الملائكة جوانب العرش وأطرافه، فلهذا قال: {وَتَرَى الملائكة حَافّينَ مِنْ حَوْلِ العرش} أي محفين بالعرش.
قال الليث: يقال حف القوم بسيدهم يحفون حفًا إذا طافوا به.
إذا عرفت هذا، فنقول بيّن تعالى أن دار ثوابهم هو جوانب العرش وأطرافه ثم قال: {يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ} وهذا مشعر بأن ثوابهم هو عين ذلك التحميد والتسبيح، وحينئذٍ رجع حاصل الكلام إلى أن أعظم درجات الثواب استغراق قلوب العباد في درجات التنزيه ومنازل التقديس.
ثم قال: {وَقُضِىَ بَيْنَهُمْ بالحق} والمعنى أنهم على درجات مختلفة ومراتب متفاوتة، فلكل واحد منهم في درجات المعرفة والطاعة حد محدود لا يتجاوزه ولا يتعداه، وهو المراد من قوله: {وَقُضِىَ بَيْنَهُمْ بالحق وَقِيلَ الحمد لِلَّهِ رَبّ العالمين} أي الملائكة لما قضي بينهم بالحق قالوا الحمد لله ربّ العالمين على قضائه بيننا بالحق، وههنا دقيقة أعلى مما سبق وهي أنه سبحانه لما قضى بينهم بالحق، فهم ما حمدوه لأجل ذلك القضاء، بل حمدوه بصفته الواجبة وهي كونه ربًا للعالمين، فإن من حمد المنعم لأجل أن إنعامه وصل إليه فهو في الحقيقة ما حمد المنعم وإنما حمد الإنعام، وأما من حمد المنعم لا لأنه وصل إليه النعمة فههنا قد وصل إلى لجة بحر التوحيد، هذا إذا قلنا إن قوله: {وَتَرَى الملائكة حَافّينَ مِنْ حَوْلِ العرش} شرح أحوال الملائكة في الثواب، أما إذا قلنا إنه من بقية شرح ثواب المؤمنين، فتقريره أن يقال إن المتقين لما قالوا {الحمد للَّهِ الذي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأرض نَتَبَوَّأُ مِنَ الجنة حَيْثُ نَشَاء} فقد ظهر منهم أنهم في الجنة اشتغلوا بحمد الله وبذكره بالمدح والثناء، فبيّن تعالى أنه كما أن حرفة المتقين في الجنة الاشتغال بهذا التحميد والتمجيد، فكذلك حرفة الملائكة الذين هم حافون حول العرش الاشتغال بالتحميد والتسبيح، ثم إن جوانب العرش ملاصقة لجوانب الجنة، وحينئذ يظهر منه أن المؤمنين المتقين وأن الملائكة المقربين يصيرون متوافقين على الاستغراق في تحميد الله وتسبيحه، فكان ذلك سببًا لمزيد التذاذهم بذلك التسبيح والتحميد.
ثم قال: {وَقُضِىَ بَيْنَهُمْ بالحق} أي بين البشر، ثم قال: {وَقِيلَ الحمد لِلَّهِ رَبّ العالمين} والمعنى أنهم يقدمون التسبيح، والمراد منه تنزيه الله عن كل ما لا يليق بالإلهية.
وأما قوله تعالى: {وَقِيلَ الحمد لِلَّهِ رَبّ العالمين} فالمراد وصفه بصفات الإلهية، فالتسبيح عبارة عن الاعتراف بتنزيهه عن كل ما لا يليق به وهو صفات الجلال، وقوله: {وَقِيلَ الحمد لِلَّهِ رَبّ العالمين} عبارة عن الإقرار بكونه موصوفًا بصفات الإلهية وهي صفات الإكرام، ومجموعهما هو المذكور في قوله: {تبارك اسم رَبّكَ ذِى الجلال والإكرام} [الرحمن: 78] وهو الذي كانت الملائكة يذكرونه قبل خلق العالم وهو قولهم {وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ} [البقرة: 30] وفي قوله: {وَقِيلَ الحمد لِلَّهِ رَبّ العالمين} دقيقة أخرى وهي أنه لم يبين أن ذلك القائل من هو، والمقصود من هذا الإبهام التنبيه، على أن خاتمة كلام العقلاء في الثناء على حضرة الجلال والكبرياء ليس إلا أن يقولوا {الحمد للَّهِ رَبّ العالمين} وتأكد هذا بقوله تعالى في صفة أهل الجنة {دعواهم فِيهَا سبحانك اللهم وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ} [يونس: 10]. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَسِيقَ الذين اتقوا رَبَّهُمْ إِلَى الجنة زُمَرًا} يعني من الشهداء والزهاد والعلماء والقراء وغيرهم، ممن اتقى الله تعالى وعمل بطاعته.
وقال في حق الفريقين: {وَسِيقَ} بلفظ واحد، فسوق أهل النار طردهم إليها بالخزي والهوان، كما يفعل بالأسارى والخارجين على السلطان إذا سيقوا إلى حبس أو قتل، وسوق أهل الجنان سوق مراكبهم إلى دار الكرامة والرضوان؛ لأنه لا يذهب بهم إلا راكبين كما يفعل بمن يشرف ويكرم من الوافدين على بعض الملوك، فشتان ما بين السوقين.
{حتى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} قيل: الواو هنا للعطف عطف على جملة والجواب محذوف.
قال المبرد: أي سعدوا وفتحت، وحذف الجواب بليغ في كلام العرب.
وأنشد:
فلَوْ أَنَّهَا نَفْسٌ تَمُوتُ جَمِيعةً ** ولكِنّهَا نَفْسٌ تَسَاقَطُ أَنْفُسَا

فحذف جواب لو والتقدير لكان أروح.
وقال الزجاج: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا} دخلوها وهو قريب من الأول.
وقيل: الواو زائدة.
قاله الكوفيون وهو خطأ عند البصريين.
وقد قيل: إن زيادة الواو دليل على أن الأبواب فتحت لهم قبل أن يأتوا لكرامتهم على الله تعالى، والتقدير حتى إذا جاءوها وأبوابها مفتحة، بدليل قوله: {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأبواب} [ص: 50] وحذف الواو في قصة أهل النار؛ لأنهم وقفوا على النار وفتحت بعد وقوفهم إذلالًا وترويعًا لهم.
ذكره المهدوي وحكى معناه النحاس قبله.
قال النحاس: فأما الحكمة في إثبات الواو في الثاني وحذفها من الأول، فقد تكلم فيه بعض أهل العلم بقول لا أعلم أنه سبقه إليه أحد، وهو أنه لما قال الله عز وجل في أهل النار: {حتى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} دلّ بهذا على أنها كانت مغلقة ولما قال في أهل الجنة: {حتى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} دلّ بهذا على أنها كانت مفتحة قبل أن يجيئوها؛ والله أعلم.
وقيل: إنها واو الثمانية.
وذلك من عادة قريش أنهم يعدون من الواحد فيقولون خمسة ستة سبعة وثمانية، فإذا بلغوا السبعة قالوا وثمانية.
قاله أبو بكر بن عياش.
قال الله تعالى: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ} [الحاقة: 7] وقال: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ} ثم قال في الثامن: {والناهون عَنِ المنكر} [التوبة: 112] وقال: {وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ} [الكهف: 22] وقال: {ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} [التحريم: 5] وقد مضى القول في هذا في براءة مستوفى وفي الكهف أيضًا.
قلت: وقد استدل بهذا من قال إن أبواب الجنة ثمانية؛ وذكروا حديث عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد يتوضأ فَيُبْلغ أو فَيُسْبِغ الوضوء ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء» خرجه مسلم وغيره.
وقد خرج الترمذي حديث عمر هذا وقال فيه: «فتح له من أبواب الجنة ثمانية أبواب يوم القيامة» بزيادة مِن، وهو يدل على أن أبواب الجنة أكثر من ثمانية.
وقد ذكرنا ذلك في كتاب التذكرة وانتهى عددها إلى ثلاثة عشر بابًا، وذكرنا هناك عظم أبوابها وسعتها حسب ما ورد في الحديث من ذلك، فمن أراده وقف عليه هناك.
{وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا} قيل: الواو ملغاة تقديره حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها {قَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا}.
{سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ} أي في الدنيا.
قال مجاهد: بطاعة الله.
وقيل: بالعمل الصالح.
حكاه النقاش والمعنى واحد.
وقال مقاتل: إذا قطعوا جسر جهنم حُبِسوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيُقَصّ لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هُذِّبوا وطُيِّبوا قال لهم رضوان وأصحابه: {سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ} بمعنى التحية {طِبْتُمْ فادخلوها خَالِدِينَ}.
قلت: خرج البخاري حديث القنطرة هذا في جامعه من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَخْلُص المؤمنون من النار فيُحبَسون على قنطرة بين الجنة والنار فيُقَصُّ لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هُذِّبوا ونُقُّوا أذن لهم في دخول الجنة فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا» وحكى النقاش: إن على باب الجنة شجرة ينبع من ساقها عينان يشرب المؤمنون من إحداهما فتطهر أجوافهم وذلك قوله تعالى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: 21] ثم يغتسلون من الأخرى فتطيب أبشارهم فعندها يقول لهم خزنتها: {سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فادخلوها خَالِدِينَ} وهذا يروى معناه عن عليّ رضي الله عنه.
{وَقَالُواْ الحمد للَّهِ الذي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} أي إذا دخلوا الجنة قالوا هذا.
{وَأَوْرَثَنَا الأرض} أي أرض الجنة.
قيل: إنهم ورثوا الأرض التي كانت تكون لأهل النار لو كانوا مؤمنين؛ قاله أبو العالية وأبو صالح وقتادة والسّدي وأكثر المفسرين وقيل: إنها أرض الدنيا على التقديم والتأخير.
قوله تعالى: {فَنِعْمَ أَجْرُ العاملين} قيل: هو من قولهم أي نعم الثواب هذا.
وقيل: هو من قول الله تعالى؛ أي نعم ثواب المحسنين هذا الذي أعطيتهم.
قوله تعالى: {وَتَرَى الملائكة} يا محمد {حَآفِّينَ} أي محدِقين {مِنْ حَوْلِ العرش} في ذلك اليوم {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} متلذذين بذلك لا متعبدين به؛ أي يصلّون حول العرش شكرًا لربهم.
والحافون أخذ من حافات الشيء ونواحيه.
قال الأخفش: واحدهم حاف.
وقال الفرّاء: لا واحد له إذ لا يقع لهم الاسم إلا مجتمعين.
ودخلت مِن على حَوْل لأنه ظرف والفعل يتعدّى إلى الظرف بحرف وبغير حرف.
وقال الأخفش: مِنْ زائدة أي حافّين حول العرش.
وهو كقولك: ما جاءني من أحد، فمن توكيد.
الثعلبي: والعرب تدخل الباء أحيانًا في التسبيح وتحذفها أحيانًا، فيقولون: سبح بحمد ربك، وسبح حمدًا لله؛ قال الله تعالى: {سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى} [الأعلى: 1] وقال: {فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ العظيم} [الواقعة: 74].
{وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بالحق} بين أهل الجنة والنار.
وقيل: قضي بين النبيين الذين جيء بهم مع الشهداء وبين أممهم بالحق والعدل.
{وَقِيلَ الحمد لِلَّهِ رَبِّ العالمين} أي يقول المؤمنون الحمد لله على ما أثابنا من نعمه وإحسانه ونصرنا على من ظلمنا.
وقال قتادة في هذه الآية: افتتح الله أول الخلق بالحمد لله، فقال: {الحمد للَّهِ الذي خَلَقَ السماوات والأرض وَجَعَلَ الظلمات والنور} [الأنعام: 1] وختم بالحمد فقال: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بالحق وَقِيلَ الحمد لِلَّهِ رَبِّ العالمين} فلزم الاقتداء به، والأخذ في ابتداء كل أمر بحمده وخاتمته بحمده.
وقيل: إن قول {الحمد لِلَّهِ رَبِّ العالمين} من قول الملائكة فعلى هذا يكون حمدهم لله تعالى على عدله وقضائه.
ورُوِيَ من حديث ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ على المنبر آخر سورة الزمر فتحرك المنبر مرتين. اهـ.